بينما كنت أحضر فعاليات المؤتمر الدولى الثالث لأورام الثدى وأورام النساء، الذى حضره أكبر أطباء العالم فى هذا المجال وصلنا الخبر السعيد بأن العرب قد اكتشفوا علاج السرطان ببول الإبل!..للأسف من أرسل هذا الخبر على إيميلات معظم الصحفيين هو رابطة المحررين العلميين العرب، كتبوا يزفونه وكأنه فتح جديد حقيقى سيقلب عالم الطب رأساً على عقب!، والمؤسف أكثر أن الأطباء قد تداولوه فيما بينهم على أنه إنجاز، تعامى عنه الغرب الفاسق الكافر ولم يلتفت إليه عامداً متعمداً حتى يبعدنا نحن المسلمين عن الإنجاز والتفوق!

أصابنى الخجل وأنا أستمع إلى محاضرات هؤلاء العمالقة من الأطباء الجادين الذين يتبعون بالفعل المنهج العلمى فى التفكير، ويريدون الوصول إلى نتائج حقيقية لا فهلوية، والتغلب على هذا المرض اللعين بكل الصدق والضمير العلمى وليس بكل هذا الدجل والتدليس، لا يمكن وأنا أستمع إلى العلاج الموجه الذى يريد السيطرة على خلايا الورم دون تدمير لباقى الخلايا السليمة أن أصدق أنه مازال هناك بشر يشغلون أنفسهم ببول الإبل!، لا يمكن أن أرى هؤلاء يصلون فى علاج أورام الثدى لنسبة 97% وأظل أسمع عن قوم مازالوا ينبشون فى الناقة وإفرازاتها، فقط لأنها ذكرت فى سياق حديث دينى ينسب إلى النبى محمد عليه الصلاة والسلام، النبى الذى أمرنا بالتفكير واتباع العقل وبأننا أعلم بشؤون دنيانا، فقط لأن معظم شيوخنا ودعاتنا مازالوا يعيشون بأجسادهم فى القرن الحادى والعشرين وبعقولهم فى عصور ما قبل التاريخ، ولا يريدون التعامل مع مثل هذه الأحاديث فى إطار زمانها وعصرها وبيئتها!

ماذا يقول الخبر؟ أعلن الدكتور عبدالله عبدالعزيز النجار، رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجية، أن فريقا بحثيا عربيا ترعاه المؤسسة وتموله، نجح فى تحقيق سبق علمى عالمى فشل فيه كثير من الفرق البحثية العلمية العالمية يتعلق بالتوصل إلى علاج لمرض السرطان من خلال بول الإبل، وقال النجار، خلال المؤتمر الصحفى، إن فريق العمل بدأ فى هذا البحث منذ عام 2008 وتوصل بعد مرور 3 سنوات إلى نتائج مبهرة لم تحدث على المستوى العالمى، وأوضح أن الاختبارات المعملية على النوق بدأت فى جامعة الشارقة واستكملت فى معهد السرطان فى بغداد، مشيرا إلى أن العلاج الجديد تم تسجيله عالمياً فى فبراير الماضى بمكتب براءات الاختراع البريطانى.

الخبر ملفق وكاذب من الناحية العلمية.. هذا أبسط ما يقال عن هذا الخبر، وإنكاره ليس إنكاراً للدين أو إهانة للإسلام، بل إن إنكاره هو خير دفاع عن صورة الإسلام العقلانى، أولاً هذا البحث لم يبدأ من فرضية الملاحظة ثم الاستنتاج، بل سار بالعكس، بدأ مما ظنوه حقيقة علمية دامغة، وهو الحديث الذى من الممكن جداً، حتى ولو كان صحيحاً، أن يكون مرتبطاً بعادة وقتية متغيرة، وظلوا يلفقون النتائج لتتطابق مع الحديث، ثانياً أنا وأنت وأى عابر سبيل فى الدنيا من الممكن أن يسجل براءة اختراع..

هذا حق الجميع مثلما هو حقهم فى الشهر العقارى، أما اختراع دواء واختبار فاعليته فهذا إجراء غير قابل للتهريج أو التلفيق.. أين المجلات العلمية المحكمة التى اعترفت بمثل هذا الكلام.. هل وافقت أى هيئة دولية معترف بها على أبحاثكم التى تديرونها فى معاملكم السرية تحت الأرض؟! أمنياتكم وخرافاتكم يا عرب لا تفرضوها على العالم، افرضوا أنفسكم بعلم حقيقى لا علم زائف.

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.